وقال القرطبي: (ومعنى ﴿أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ أي: أمثالًا في النعم، أي الأغنياء بعضهم أمثال بعض في الغنى، فهم أزواج).
والمقصود: توجيه الله تعالى نبيهُ - ﷺ - إلى الاستغناء بهذا القرآن عما في أيدي القوم من زينة الدنيا الفانية، ومتاعها الزائل.
وقوله: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾. قال النسفي: (أي لا تتمن أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوى بمكانهم الإسلام والمسلمون).
وقيل: لا تحزن عليهم إن صاروا إلى العذاب فهم أهل للعذاب.
وقوله: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾. قال القاسمي: (أي تواضع لمن معكَ من فقراء المؤمنين وضعفائهم. وطب نفسًا عن إيمان الأغنياء والأقوياء).
وأصل خفض الجناح من فعل الطائر، فإنه إذا ضمّ فرخه إليهِ بسط جناحهُ ثم قبضه على الفرخ، فكان ذلكَ مثلًا لتقريب الإنسان أتباعه.
وقوله تعالى: ﴿وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾.
أي: قل يا محمد لمشركي قومكَ: إنما أنا نذير لكم قد أبان إنذارهُ لكم من البلاء وما يُنتظر من العقاب للمتمادين في الشرك والكفر والضلال، مثل العقاب الذي أنزله تعالى على الأمم السابقة التي اقتسمت القرآن المنزل عليها فآمنت ببعضه وكفرت ببعض.
قال ابن عباس: (هم اليهود والنصارى، آمنوا ببعض، وكفروا ببعض).
وقال أيضًا: (هم أهل الكتاب، جزؤوهُ فجعلوه أعضاء أعضاء، فآمنوا ببعضهِ، وكفروا ببعضه).
وقال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هُشَيم، أنبأنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (﴿جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾، قال: هم أهل الكتاب، جزؤوه أجزاءً، فآمنوا ببعضه، وكفروا ببعضه).
وقيل: (﴿الْمُقْتَسِمِينَ﴾، أي: المتحالفين. الذين تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم).