٩٤ - ٩٩. قوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)﴾.
في هذه الآيات: مَجِيءُ أمر الله تعالى إلى رسوله - ﷺ - وهو بمكة بالصدع بالحق والجهر بالدعوة والخروج إلى الناس فقد كفاكَ ربك أمر المستهزئين، الذين أصروا أن يعيشوا مشركين، فأنت في حماية ربك فلا يضيق صدركَ بما يقولون، واستعن على أمر ربكَ بالتسبيحِ والسجود واعبد ربكَ حتى يأتيكَ الموت وهو اليقين.
قال أبو عبيدة عن عبد الله بن مسعود: (ما زال النبي - ﷺ - مستخفيًا حتى نزلت: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ فخرج هو وأصحابه).
وقال الفراء: (أراد فاصدع بالأمر أي أظهر دينك).
وأصل الصَّدْع في كلام العرب: الشَّقُّ، وتَصَدَّع القوم أي: تفرقوا، ومنه قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ أي يتفرقون يوم القيامةِ فريقًا في الجنةِ وفريقًا في السعير.
فالآيةُ لها تأويلان محتملان:
التأويل الأول: أي فرّق جمعهم وكلمتهم يا محمد بأن تدعوهم إلى التوحيد، اصدع القوم بهذا الوحي فريقين، فإنهم يتفرقون بأن يجيبَ بعضهم ويعاند آخرون.
قال القرطبي رحمه الله: (أي تتصدع جماعة الكفار).
التأويل الثاني: الصدع بمعنى الجهر. قال الرازي: (وصدع بالحق تكلم به جهارًا). ومنه قول ابن عباس: (﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾، يقول: فأمضه. يقول: افعل ما تؤمر). وقال مجاهد: (﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾: أي: بالقرآن. اجهر بالقرآن في الصلاة).
قال ابن القيم رحمه الله: (دعا رسول الله - ﷺ - إلى الله مستخفيًا ثلاث سنين ثم نزل عليه: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾).
وخلاصة المعنى: بلغ - يا محمد - ما أنزل إليكَ من ربك من الوحي الكريم، ولا تأبه ولا تلتفت لمحاولات المشركين، فإن اللهَ كافيكَ وحافظكَ منهم.


الصفحة التالية
Icon