وقوله: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ﴾ - فيه أقوال متقاربة:
١ - قال مجاهد: (الفريقان: الكافران والمؤمنان. فأما الأعمى والأصم فالكافران، وأما البصير والسميع، فهما المؤمنان).
٢ - وقال ابن جريج، قال ابن عباس: (الأعمى والأصم: الكافر. والبصير والسميع: المؤمن).
٣ - وقال قتادة: (هذا مثلٌ ضربه الله للكافر والمؤمن. فأما الكافر فصم عن الحق فلا يسمعه، وعمي عنه فلا يبصره. وأما المؤمن، فسمع الحق فانتفع به، وأبصره فوعاه وحفظه وعمل به).
وقوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾ أي: تشبيهًا، و ﴿مَثَلًا﴾ منصوب على التمييز، والمعنى: كما لا يستوي عندكم الأعمى والبصير، والأصم والسميع، فكذلك لا يستوي عند الله المؤمن والكافر، والطائع والعاصي، والمسلم والفاسق.
وقوله: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾. قال النسفي: (فتنتفعون بضرب المثل).
٢٥ - ٢٧. قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (٢٧)﴾.
في هذه الآيات: شَرَعَ الله تعالى في إخباره عن إرساله الرسل إلى أهل الأرض، وأولهم نوح عليه الصلاة والسلام، بعثه الله نذيرًا إلى قومه يحذرهم مغبة الشرك والكبر والغرور الذي كانوا عليه، ويدعوهم لإفراد الله تعالى بالعبادة والتعظيم، ويحذرهم عذاب يوم أليم، فما كان من الملأ الكافر من قومه إلا الاستهزاء، والاستخفاف بالأتباع، واتهام المؤمنين بالكذب ليحيق بالمستكبرين العذاب.
فقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾.
إخبار عن إرساله تعالى نبيّه نوحًا - ﷺ - إلى قومه الذين امتلأت الأرض يومئذ من شركهم وشرورهم، فكان نوح أول الرسل إلى أهل الأرض، ظاهر النذارة لقومه من


الصفحة التالية
Icon