عذاب الله وغضبه إن أصروا على شركهم وعبدوا غير الله الواحد الأحد.
وقد صَبَرَ نوح - صلوات الله وسلامه عليه - على تمرد قومه وغرورهم واستهزائهم، وهو يدعوهم القرون الطويلة، إذ مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، ويؤكد لهم التمسك بـ "لا إله إلا الله" وأن يعيشوا لأجلها ويموتوا عليها، حتى كان ذلك آخر ما وصى به ابنه عند الموت.
فقد أخرج الإمام أحمد في المسند، والبيهقي في الأسماء، بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: [إن نبيّ الله نوحًا - ﷺ - لما حضرته الوَفاةُ قال لابنه: إني قاص عليك الوصية، آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين، آمرك بـ "لا إله إلا الله" فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكِبْر.
قيل: يا رسول الله! هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر؟ قال: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: لا، قال: هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: لا. قيل: يا رسول الله فما الكبر؟ قال: سفه الحق وغمص الناس] (١).
وقوله: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾. أي: إن أصررتم على طريق الكبر والشرك والبغي في الأرض بغير الحق فإنه ينتظركم العذاب الأليم الشاق الموجع يوم الحساب.
وقوله: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾. قال ابن كثير: (والملأ هم: السادة والكبراء من الكافرين منهم: ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾، أي: لستَ بمَلَك ولكنّك بشرٌ، فكيف أوحِيَ إليك من دُوننا؟ ثم ما نراك اتَّبَعَك إلا أَراذلنا كالباعة والحاكَة وأشباههم، ولم يتبعك الأشرافُ ولا الرؤساء منّا، ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم يكن عن تَرَوٍّ منهم ولا فكرةٍ ولا نظر، بل بمجرَّد ما دعوتهم أجابوك فاتَّبعوك، ولهذا قالوا: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾، أي: في أول بادئِ الرأي).