بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (٣٩) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)}.
في هذه الآيات: ذمُّ الله تعالى المشركين احتجاجهم بالقدر على شركهم، شأن الأمم الضالة قبلهم، وما على الرسل إلا البلاع المبين. لقد بعث الله الرسل في أممهم يدعونهم لإفراد الله تعالى بالتعظيم، ونبذ الطاغوت وسبل الشياطين، فمن علم الله فيه خيرًا هداه، ومن علم كبره ومكره أضله، فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين. إنك إن تحرص - يا محمد - على هداهم فاعلم أن الله لا يهدي من يُضل ويصرّ على الضلال وما لهم من ناصرين. لقد أقسموا بالله على إنكار البعث وأكثرهم كاذبون لا يعلمون، فإنما قول الله لشيء إذا أراد وجوده أن يقول له كن فيكون.
فقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.
اعْتِذارٌ تَافِهٌ من المشركين على شركهم بالله وتحريم ما لم ينزل به تشريعًا من البحائر والسوائب والوصائل معلقين ذلك كله على القدر، شأن الأمم المغرورة قبلهم.
قال ابن كثير: (ومضمون كلامهم أنه لو كان تعالى كارهًا لِمَا فعلنا لأنكره علينا بالعقوبة، ولما مَكَّننا منه. قال الله تعالى رادًا عليهم شبهتهم: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾؟ أي ليس الأمر كما تزعمون أنه لم يُعَيِّره عليكم ولا أنكره، بل قد أنكره عليكم أشد الإنكار، ونهاكم عنه آكد النهي، وبعث في كل أمة، أي: في كل قرْن من الناس وطائفة رسولًا، وكلهم يَدْعون إلى عبادة الله، ويَنْهَوْن عن عبادة ما سواه).
وقوله ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾.
قال القرطبي: (أي بأن اعبدوا الله ووحّدوه. ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ أي اتركوا كلّ معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم، وكل من دعا إلى الضلال).
وقوله: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾.
قال النسفي: (﴿فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ﴾ لاختيارهم الهدى ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ أي لزمته لاختياره إياها).


الصفحة التالية
Icon