وقوله: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾.
أي: إن كنتم معشر المشركين من قريش وغيرها غير مصدقي رسولنا فسيروا في أرجاء الأرض فانظروا كيف آل حال الأمم المكذبة قبلكم، وكيف صار آخر أمرهم إلى الخراب والدمار والعذاب والهلاك.
وقوله: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾
إِخْبارٌ من الله تعالى رسوله - ﷺ -: أنّ حرصه على هدايتهم لا ينفعهم إن كان الله أراد إضلالهم، لعلمه بفساد قلوبهم وانحراف فطرتهم وحبهم تعظيم الطواغيت والشهوات وإصرارهم على التمسك بنهج الجاهلية.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٦].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [المائدة: ٤١].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هود: ٣٤].
٤ - وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٩٦، ٩٧].
وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [تُعرض الفِتن كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلب أُشْرِبَها نُكتَ فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نُكِتَ فيه نُكتةٌ بيضاء، حتى يصير على قلبين، على أبيضَ مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبادًا كالكوز مُجَخِّيًا، لا يَعْرِف معروفًا ولا يُنْكر مُنكرًا، إلا ما أشرب من هواه] (١).
وقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ - أي ينصرونهم ويحولون بينهم وبين وقوع العقاب بهم.

(١) حديث صحيح. انظر مختصر صحيح مسلم (١٩٩٠) - كتاب الفتن. وقوله: "مربادًا" يعني: شدة البياض في سواد، و"مُجَخّيًا" أي: منكوسًا.


الصفحة التالية
Icon