وقوله: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾.
قال قتادة: (تكذيبًا بأمر الله أو بأمرنا، فإن الناس صاروا في البعث فريقين: مكذِّبٌ ومصدق).
والمعنى: لقد حلف المشركون وأقسموا واجتهدوا في الحلف وغلّظوا الأيمان مستبعدين حدوث البعث بعد الموت، مكذبين الرسل بذلك، فردّ الله زعمهم وكذّبهم بقوله: ﴿بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
قال ابن كثير: (أي: فبجهلهم يخالفون الرسل ويَقعون في الكفر).
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي - ﷺ - قال: [قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدًا وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفُوًا أحد] (١).
وقوله تعالى: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ﴾.
بَيَانٌ من الله تعالى حكمته من المعاد: ليبين للناس ما اختلفوا فيه من كل شيء، فيجازي المحسنين بإحسانهم والمسيئين بإساءتهم، وليعلم الذي جحدوا الحساب والجزاء والبعث بعد الموت أنهم كانوا كاذبين في دعواهم، وأن ذلك كما حملهم في الدنيا على متابعة كفرهم وظلمهم سيحملهم اليوم على مواجهة حرّ جهنم وسعيرها.
قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٣ - ١٦].
وفي صحيح السنة العطرة في آفاق معنى الآية أحاديث:
الحديث الأول: روى مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله - ﷺ - قال: [ناركم هذه التي توقد بنو آدم، جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم. قيل يا رسول الله! إن كانت لكافية. قال فُضِّلَتْ عليهن بتسعة وستين جزءًا كلهنَّ مثلُ حرّها] (٢).
(٢) حديث صحيح. انظر مختصر صحيح مسلم - حديث رقم - (١٩٧٦)، ورواه البخاري في صحيحه (٣٢٦٥) بلفظ قريب، ورواه أكثر أهل السنن.