وغاية المعنى: يجيبُ نوح - ﷺ - قومه: أرأيتم إن كنت على يقين من أمري، في رسالتي ونبوتي الصادقة، وهي الرحمة العظيمة المهداة من الله لي ولكم، ثم خفيت عليكم فلم تهتدوا إليها، ولم تعرفوا قدْرها، بل قابلتم تلك النعمة والهداية الكبيرة بالتكذيب والاستهزاء والعناد، فكيف لي أن أغصبكم عليها وأنتم لها كارهون.
وقوله: ﴿وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾. قال ابن جرير: (قال لهم: يا قوم لا أسألكم على نصيحتي لكم، ودعايتكم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، مالًا أجرًا على ذلك، فتتهموني في نصيحتي، وتظنون أن فعلي ذلك طلبُ عرض من أعراض الدنيا، ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾، يقول: ما ثواب نصيحتي لكم، ودعايتكم إلى ما أدعوكم إليه، إلا على الله، فإنه هو الذي يجازيني ويثيبني عليه).
وقوله: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾. قال ابن جريج: (قالوا له: يا نوح، إن أحببت أن نتبعك فاطردهم، وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الأمر سواء. فقال: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾، فيسألهم عن أعمالهم).
وقوله: ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾. قال القرطبي: (في استرذالكم لهم، وسؤالكم طردهم).
قلت: ويبدو أن هذه سنة في الملأ الكافر على مر الدهور والأزمان، فهم يرون إيمانهم مع الضعفاء انتقاصًا لشأنهم وما اعتادوه من أحوال الظلم والكبر واستضعاف الناس، فكان الوحي النازل يقرعهم دومًا للتخلي عن هذه الأبهة الكاذبة.
ففي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: ٢٨].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٢].


الصفحة التالية
Icon