وقد جاءت السنة الصحيحة كذلك بتحذير النبي - ﷺ - الاستجابة لهذا المطلب الساقط من الملأ الكافر، وفي ذلك أحاديث:
الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه عن سعد قال: [فيَّ نزلت: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ - قال: نزلت في ستة: أنا وابن مسعود منهم، وكان المشركون قالوا: تدني هؤلاء] (١).
الحديث الثاني: أخرج ابن ماجه في السنن، وابن جرير في التفسير بسند صحيح عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد قال: [كنا مع النبي - ﷺ - ستة نفر، فقال المشركون للنبي - ﷺ -: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا. قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله - ﷺ - ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾] (٢).
الحديث الثالث: أخرج ابن جرير بسنده من طريق ابن مسعود قال: [مرَّ الملأ من قريش على رسول الله - ﷺ - وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار، فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين مَنَّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير تبعًا لهؤلاء؟ اطردهم فلعلك إن طردتهم نتبعك، فنزلت هذه الآية: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾] (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَيَاقَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾.
أي: ويا قوم من يمنعني من بأس الله وانتقامه لأوليائه إن طردتهم أفلا تتعظون!
وقوله: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾. قال ابن

(١) حديث صحيح. انظر صحيح مسلم - حديث رقم - (٢٤١٣)، وسنن ابن ماجه (٤١٢٨)، ومستدرك الحاكم (٣/ ٣١٩)، ورواه النسائي في "التفسير" (١٨٣)، وأخرجه أبو يعلى (٨٢٦)، والطبري (١٣٢٦٦)، وغيرهم.
(٢) حديث صحيح. انظر سنن ابن ماجه - حديث رقم - (٤١٢٨) - باب مجالسة الفقراء، ومستدرك الحاكم (٣/ ٣١٩)، وقال صحيح على شرطهما وأقره الذهبي. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (١١١٦٣)، ورواه أبو يعلى (٨٢٦).
(٣) انظر تفسير الطبري، سورة الأنعام، آية (٥٢ - ٥٣)، وكتابي: السيرة النبوية (١/ ٢٤٣).


الصفحة التالية
Icon