وقوله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ - فيه تأويلان:
١ - قال ابن عباس: (قال لمشركي قريش: إن محمدًا في التوراة والإنجيل). وقال: (﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾: يعني أهل الكتب الماضية، أبشرًا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم، وإن كانوا بشرًا فلا تنكروا أن يكون محمد رسولًا، ثم قال: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم من أهل القرى: أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم). وقال سفيان: (﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ يعني مؤمني أهل الكتاب).
٢ - قال ابن عباس: (أهل الذكر أهل القرآن). وقال ابن زيد: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ قال: الذكر: القرآن. وقرأ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]. وقرأ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ [فصلت: ٤١] الآية).
قلت: وكلا المعنيين حق. فلما عجب المشركون من إيحاء الله لرسوله، واصطفائه برسالته، أحيلوا لسؤال أهل الكتاب أو علماء الأخبار. وكذلك الحال عند كل معضلة أو فتوى فلا بد من الرجوع لأهل العلم.
قال القاسمي: (فالذكر، إما بمعنى الكتاب لما فيه من الذكر والعظة، كقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ﴾ [يس: ٦٩]، أو بمعنى الحفظ لأخبار الأمم السالفة. وفي الآية دليل على وجوب الرجوع إلى العلماء فيما لا يعلم).
وقوله: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾. قال مجاهد: (البينات: الآيات، والزبر: الكتب). والزُّبُر: جمع زَبُور، والعرب تقول: زَبَرْتُ الكتاب إذا كتبته.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾ [القمر: ٥٢].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥].
والمعنى: لقد أرسلنا الرسل المتقدمين ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ - أي بالحجج والدلائل والبراهين ﴿وَالزُّبُرِ﴾ أي بالكتب، فرجوعكم إليهم منهاج صحيح في كشف الشبهات والتعرف على الحق.
وقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
أي: وأنزلنا إليك - يا محمد - السّنة، وهي الوحي الثاني، لتبين للناس ما نزل