وعن ابن جريج: (﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ قال: الغدو والآصال، إذا فاءت الظِّلال، ظلال كل شيء بالغدوّ سجدت لله، وإذا فاءت بالعشي سجدت لله).
وقال الضحاك: (يعني: بالغدوّ والآصال، تسجد الظلال لله غدوة إلى أن يفيء الظلّ، ثم تسجد لله إلى الليل، يعني: ظلّ كل شيء). وعن ابن عباس: (﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ﴾ يقول: تتميل). واختاره ابن جرير وقال: (إن الله أخبر في هذه الآية أن ظلال الأشياء هي التي تسجد، وسجودها: مَيَلانها ودورانها من جانب إلى جانب، وناحية إلى ناحية). وعن مجاهد: ﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾: صاغرون).
والخلاصة: إن جميع الأشياء والمخلوقات بأسرها: جمادها وحيواناتها، ومكلّفوها من الإنس والجن والملائكة، قد دانت لكبرياء الله وعظمته وجبروته، وكل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال - أي بكرة وعشيًا - فإنه ساجد بظله لله تعالى (١).
وقوله: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ﴾.
هو كقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [الرعد: ١٥].
وكقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج: ١٨].
وقوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾.
أي: والملائكة تسجد لله في طاعة وتذلل، ولا يستكبرون عن عبادة ربهم تبارك وتعالى.
أخرج الإمام أحمد في المسند، والترمذي في الجامع، بسند حسن عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: [إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أَطَّت السماء وَحُقَّ لها أن تَئِطّ، ما فيها موضِعُ أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله