وقوله تعالى: ﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾.
أي: يخشى رؤية الناس إن بُشِّر بأنثى، فهو في تأرجحٍ من أمره، فإن أبقاها أبقاها مهانة ذليلة يفضل الذكور عليها، ويحرمها من لطفه وإرثه والعناية بها، وإلا وأدها ودفنها حية في التراب على طريقة أهل الجاهلية. إنه بئس ما يحكم به هؤلاء المشركون، أنْ جعلوا لله ما يكرهون، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [الزخرف: ١٧].
قال القرطبي: (﴿أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي في إضافة البنات إلى خالقهم وإضافة البنين إليهم).
قلت: وقد جاءت السنة الصحيحة بتكريم البنات وحسن رعايتهن، وما يعقب ذلك من عظيم الثواب وسبب النجاة يوم القيامة.
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: [جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فأخذتها فقَسَمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخلَ عليّ النبي - ﷺ - فحدّثته حديثَها، فقال النبي - ﷺ -: من ابتُلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له سترًا من النار] (١).
الحديث الثاني: أخرج مسلم وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعت لرسول الله - ﷺ - فقال: إن الله عز وجل قد أوجب بها الجنة أو أعتقها بها من النار] (٢).
الحديث الثالث: أخرج مسلم والترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٦٣٠)، وابن ماجه (٣٦٦٨)، وابن حبان (٤٤٨)، وأخرجه أحمد في المسند (٦/ ٩٢) - من حديث عائشة رضي الله عنها.