وقوله تعالى: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾.
قال ابن جرير: (ويصنع نوح السفينة، وكلما مرّ عليه جماعة من كبراء قومه، ﴿سَخِرُوا مِنْهُ﴾، يقول: هزئوا من نوح، ويقولون له: أتحوّلت نجارًا بعد النبوة، وتعمل السفينة في البر؟ فيقول لهم نوح: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا﴾ إن تهزؤوا منا اليوم، فإنا نهزأ منكم في الآخرة، كما تهزؤون منا في الدنيا).
وقوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾.
أي: فسوف تعلمون معشر المستهزئين إذا جاء أمر الله مَن الهالك، وَمَنْ ينزل به عذاب يهينه ويُذِلّه، ثم مَنْ ينزل به في الآخرة عذاب لا خلاص منه ولا نجاة ولا مخرج من ألمه.
٤٠ - ٤٤. قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (٤٠) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (٤٢) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤)﴾.
في هذه الآيات: نُزولُ أمر الله في قوم نوح، فيأمر الله تعالى نبيّه نوحًا - ﷺ - أن يحمل في السفينة من كل صنف من المخلوقات زوجين، وكذلك أهل بيته وأرحامه وقرابته - إلا من سبق القول أنه لن يؤمن -، ويحمل كذلك مَنْ آمن معه من قومه وهم نزر قليل. فيركب نوح - ﷺ - والمؤمنون ويقول: بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم. وأثناء سير السفينة على وجه الماء الآخذ في الارتفاع يبصر نوح ابنه يام - وكان كافرًا انعزل عن أبيه وعن السفينة - فيدعوه للركوب وَأَخْذِ سبيل النجاة كيلا يكون مع