الهالكين. فيأبى ويفضل الانحياز إلى الجبل للتحصن فيه من أمواج الماء، فيخبره نوح أنه لا نجاة اليوم إلا في هذه السفينة، ويمضي أمر الله ليكون ابن نوح مع المغرقين. ثم يأمر الله تعالى الأرض بتشرب الماء والسماء بالإقلاع عن المطر، وقضي الأمر بإهلاك قوم نوح، وأرست السفينة على جبل الجودي، وقيل سحقًا لقوم نوح الذين غضب الله عليهم وكانوا من الظالمين.
فقوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ - وذلك حين حلول وعيد الله بالطوفان، وإغراق الكفار من الأنام.
قال ابن عباس: (التنّور: وجه الأرض). والتقدير: انبجس الماء من وجه الأرض. قال ابن كثير: (أي: صارت الأرض عيونًا تفور، حتى فار المار من التنانير التي هي مكانُ النار، صارت تفورُ ماءً. وهذا قول جمهور السَّلف وعلماءِ الخلف).
وفي التنزيل: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾ [القمر: ١١ - ١٤].
وقوله: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾.
قال مجاهد: (﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾، قال: ذكر وأنثى من كل صنف). وقال الضحاك: (يعني بالزوجين اثنين، ذكر وأنثى). وقال ابن جرير: (يعني بالأهل: ولده ونساءه وأزواجه - إلا من قلت فيهم: إني مهلكه). أي: فلما جاء ميعاد إهلاك القوم الكافرين، أمر الله نوحًا - ﷺ - أن يحمل معه في السفينة من صنوف المخلوقات ذات الأزواج، قيل: وغيرها من النباتات - اثنين، ذكرًا وأنثى، وكذلك أهل بيته وأرحامه وقرابته إلا من سبق عليه القول منهم ممن لم يؤمن بالله وكفر برسوله نوح - ﷺ -، فكان منهم ابنه يام الذي انعزل وحده، وكذلك امرأة نوح، التي كانت كافرة بالله ورسوله.
وقوله: ﴿وَمَنْ آمَنَ﴾. أي: واحمل معك كذلك في السفينة مَنْ آمَنَ مِنْ قَومِكَ. وقوله: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾. أي: نزر يسير ممن صدّقه وتابعه من أهله وقومه.
وقوله: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾. أي: كما قال مجاهد: (حين يركبون ويجرون ويرسون). أو قال: (قال: بسم الله حين يجرون وحين يرسون).
والتقدير: أي باسم الله يكون جَرْيُها على وجه الماء، وباسم الله يكون منتهى سيرها، وهو رُسُوُّها.
وقرأ عامة قراء الكوفة: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ بفتح الميم من ﴿مَجْرَاهَا﴾


الصفحة التالية
Icon