كل إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره في عنقه، نحسًا كان ذلك الذي ألزمه من الطائر، وشقاءً يورده سعيرًا، أو كان سعدًا يورده جنات عدن).
وقوله تعالى: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾. قال مَعْمَرٌ: (وتلا الحسنُ البصري: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق: ١٧]، يا ابن آدم، بَسَطتُ لك صحيفتَك، وَوُكِّلَ بك مَلَكان كريمان، أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت، أَقْلِل أو أكثر، حتى إذا متَّ طُوِيتْ صحيفتُك فجعلت في عنقك مَعَكَ في قَبْرك، حتى تخرج يوم القيامة كتابًا تلقاه منشورًا ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾، قد عدل - والله - عليك من جَعلك حَسِيبَ نَفْسِك).
عن قتادة: (﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئًا في الدنيا).
١٥ - ١٧. قوله تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (١٧)﴾.
في هذه الآيات: تأكيد الله تعالى عودة نفع الهداية على العبد الملتمس الهداية، وعودة ضرر الضلال على مبتغيه، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وما كان الله ليعذب قومًا حتى يقيم عليهم الحق على لسان الرسل، فإن أصروا على الكفر والفسوق دمّرهم تدميرًا. وتخويف لكفار مكة أنه تعالى: كم أهلك من قوم كفروا من بعد نوح وكفى بالله بذنوب عباده خبيرًا بصيرًا.
فقوله: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾
أي: من اختار طريق الهدى والاستقامة على الحق فهو ينفع نفسه، ومن جار عن قصد السبيل فهو يضر نفسه ويهدّد أمنه في الدار الآخرة.
وقوله: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ - كقوله: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ﴾ [فاطر: ١٨] قال قتادة: (والله ما يحمل الله على عبد ذنب غيره، ولا يؤاخذ