وقوله: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾.
قال ابن جرير: (قال ابن نوح، لما دعاه نوح إلى أن يركب معه السفينة، خوفًا عليه من الغرق: ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ يقول: سأصير إلى الجبل أتحصّن به من الماء، فيمنعني منه أن يغرقني. وقوله: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾، يقول: لا مانع من أمر الله الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك، إلا من رَحمَنا فأنقذنا منه، فإنه الذي يمنع من شاء من خلقه ويعصم).
ومضت السفينة تسير على وجه الماء تحمل الأمن والطمأنينة لساكنيها، وتخفي وراءها الدمار والهلاك للطغاة والعتاة والمجرمين، كما في التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١١، ١٢].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: ١٣ - ١٥].
وقوله: ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾.
أي: كتب الله الغرق على ابن نوح الضال، فدخل في جملة الغرقى الهالكين.
وقوله: ﴿وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾.
أي: قال الله للأرض - بعد نزول نقمته بأهل الكفر وغرقهم - يا أرض تَشرَّبي ماءك، ويا سماء أقلعي عن المطر وأمسكي، فذهبت الأرض بالماء الذي كان عليها ونَشِفَتْه، وقضي الأمر بإهلاك قوم نوح، وأرست السفينة على جبل الجودي - الذي هو بناحية الموصل أو الجزيرة - فيما ذكر.
وعن مجاهد: (﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾، قال: نقص، ﴿وَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾، قال: هلاك قوم نوح).
وقال ابن جريج: (﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾، نَشِفَتْهُ الأرض).
وعن ابن عباس: (﴿وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي﴾، يقول: أمسكي، ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾، يقول: ذهب الماء).


الصفحة التالية
Icon