وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾
قال ابن زيد: (يقدر: يقلّ، وكل شيء في القرآن يَقْدِرُ كذلك، ثم أخبر عباده أنه لا يرزؤُه ولا يؤوده أن لو بسط عليهم، ولكن نظرًا لهم منه، فقال: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٧]. قال: والعرب إذ كان الخصب وبُسطَ عليهم أشِروا، وقتل بعضهم بعضًا، وجاء الفساد، فإذا كان السنة شُغِلوا عن ذلك).
وخلاصة المعنى: إن ربك - يا محمد - يوسع رزقه على من يشاء ويُقَتِّر على من يشاء من عباده، فهو سبحانه ذو خِبْرة بهم، يعلم من تصلحه سعة الرزق ومن تفسده، فهو الحكيم في تصريف شؤون عباده وتدبير معايشهم وأرزاقهم.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾. قال مجاهد: (﴿خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ الفاقة والفقر). وقال قتادة: (أي خشية الفاقة، وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة، فوعظهم الله في ذلك، وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله).
والآية تدل على رحمة الله بعباده أكثر من الوالد بولده، فقد كان أهل الجاهلية لا يورِّثون البنات، وربما قتل أحدهم ابنته لئلا تكثر عيلته، فأخبر سبحانه أن هذا القتل ذنب كبير عند الله. فقال سبحانه: ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ أي: إثمًا عظيمًا. وقرأ بعضهم ﴿كان خَطَأً كبيرًا﴾، والمعنى متقارب.
وفيم سورة الأنعام آية مشابهة: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١].
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [قلت: يا رسول الله، أيُّ الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نِدًّا وهو خلقك. قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: أن تقتل ولَدك خشية أن يَطْعَمَ معك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تُزَاني حَليلةَ جارِك] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾.
نهي عن مقاربة الزنا ودواعيه، أو التماس أسبابه، فإنه كان ذنبًا كبيرًا وسَاءَ طريقًا

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٤٧٧)، ومسلم (٧٦)، وأحمد (١/ ٤٣٤)، والترمذي (٣١٨٣)، وغيرهم، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon