ومسلكًا. قال القرطبي: (قال العلماء: قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ أبلغ من أن يقول: ولا تزنوا، فإن معناه لا تدنوا من الزنى). والزنى يمد ويقصر، وقوله: ﴿سَبِيلًا﴾ قد نصب على التمييز، والتقدير: وساء سبيله سبيلًا.
قلت: وأول طريق الزنى إطلاق البصر، فإن الاستهتار به يورث ما بعده، والشيطان يزين المعصية ولا يزال بالعبد يوسوس له بعدها، فَيُسَهِّل له اللمس والقبلة حتى يقع في الفاحشة. ومن هنا جاء أمر الله تعالى بغض البصر:
قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: ٣٠].
ثم جاء تفصيل فساد ذلك الطريق في السنة المطهرة في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: [كُتِبَ على ابن آدم نصيبُه من الزِّنا مُدْرِكٌ ذلك لا محالة: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسانُ زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِجل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه] (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد، أن رسول الله - ﷺ - قال: [لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يُفْضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تُفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد] (٢).
الحديث الثالث: أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي أمامة قال: [إن فتىً شابًا أتى النبي - ﷺ - فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا. فأقبل القومُ عليه فزجَرُوه، وقالوا: مَهْ مَهْ. فقال: ادنُهْ. فدنا منه قريبًا، فقال: اجْلس. فَجَلس، قال: أَفتُحبُّه لأمّك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبُّه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أتحبُّه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فِداك. قال: ولا الناس يُحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبُّه لِعَمَّتِك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح - حديث رقم - (٣٣٨) - كتاب الحيض- باب تحريم النظر إلى العورات. وفي رواية: عُرْية الرجل وعُرْية المرأة مكان - عورة -. ويقال أيضًا: عِرْية، بالكَسر.