(هو ابنه، غير أنه خالفه في العمل والنية).
وهو يرد بذلك على من زعم أنه ليس ابنه على الحقيقة، بل ولد على فراشه، أو ولد زنية. قال سعيد بن جبير: (قال الله، وهو الصادق: وهو ابنه، ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾).
وكان قد جاءه رجل فسأله: أرأيتك ابن نوح ابنه؟ فَسَبَّح طويلًا، ثم قال: (لا إله إلا الله، يحدِّث الله محمدًا: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ وتقول: ليس منه؟ ولكن خالفه في العمل، فليس منه من لم يؤمن).
وقال الضحاك: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾، يقول: ليس من أهل ولايتك، ولا ممن وعدتك أن أنجي من أهلك، ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾، يقول: كان عمله في شرك).
وهناك من قرأها: "إنه عَمِلَ غيرَ صالح" - وروي ذلك عن ابن عباس (١). والجمهور على قراءتها: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ - وتأويل ذلك كما ذكر مجاهد قال: (سؤالك إياي، عمل غير صالح). ولذلك قال بعدها: ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ - وفيه أكثر من تأويل:
١ - أي فلا تسألن ما ليس لك به علم بجواز مسألته - ذكره النسفي.
٢ - أي أنهاك عن هذا السؤال، وأحذرك لئلا تكون من الجاهلين أي الآثمين - ذكره القرطبي.
٣ - أي فلا تسألن عما قد طويتُ علمه عنك من أسباب أفعالي وقد أخبرتك سبب إهلاك ابنك - ذكره ابن جرير.
قلت: وكل ما سبق يدل على آفاق مفهوم الآية ويزيد في توضيح معانيها.
قال القاسمي: (﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ أي أنهاك أن تكون منهم بسؤالك إياي ما لم تعلم).
وقال ابن العربي: (وهذه زيادة من الله وموعظة يرفع بها نوحًا عن مقام الجاهلين، ويعليه بها إلى مقام العلماء والعارفين).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. فيه ذكر إنابة نوح عليه السلام بالتوبة إلى الله من زلته في مسألته.

(١) قلت: بل ثبت ذلك عن النبي - ﷺ -. فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن أم سلمة: [أن النبي - ﷺ - كان يقرؤها: "إنه عَمِلَ غيرَ صالح"]. صحيح سنن الترمذي (٢٣٣٦/ ١).


الصفحة التالية
Icon