قال ابن جرير: (أي: أستجير بك أن أتكلف مسألتك ما ليس لي به علم، مما قد استأثرت بعلمه، وطويتَ علمه عن خلقك، فاغفر لي زلتي في مسألتي إياي ما سألتك في ابني، وإن أنت لم تغفرها لي وترحمني فتنقذني من غضبك، ﴿أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، يقول: من الذين غبنوا أنفسهم حظوظها وهلكوا).
وقوله تعالى: ﴿قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
إخبارٌ من الله تعالى عن قيله لنوح - ﷺ - حين أرست السفينة واستوت على جبل الجودي: أن سلام عليك وعلى من معك من المؤمنين، وعلى كل مؤمن من ذريتك إلى يوم القيامة. كما قال محمد بن كعب القرظي: (دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة، ودخل في ذلك العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة).
وعن ابن زيد قال: (هبطوا والله عنهم راض، هبطوا بسلام من الله. كانوا أهل رحمة من أهل ذلك الدهر، ثم أخرج منهم نسلًا بعد ذلك، أممًا، منهم من رحم، ومنهم من عذب. وقرأ: ﴿وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ﴾، وذلك إنما افترقت الأمم من تلك العصابة التي خرجت من ذلك الماء وسلمت).
وعن الضحاك: (يقول في قوله: ﴿يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾، الآية، يقول: بَركات عليك وعلى أمم ممن معك لم يولدوا، أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعادة، ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ﴾، يعني: متاع الحياة الدنيا، ﴿ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة).
وقال الحسن: (فأنجى الله نوحًا والذين آمنوا، وهلك المتمتعون! حتى ذكر الأنبياء، كل ذلك يقول: أنجاه الله وهلك المتمتعون).
٤٩. قوله تعالى: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩)﴾.
في هذه الآية: إخبار الله تعالى نبيّه محمدًا - ﷺ - أن هذه القصة من أخبار الغيب يقصها عليه بالوحي، وما كان له ولقومه العلم بدقائقها قبل هذا، فاصبر - يا محمد - كما صبر نوح والرسل قبلك فالنصر والعاقبة للمتقين.


الصفحة التالية
Icon