وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠)}.
في هذه الآيات: إعلان هود - ﷺ - إقامته الحجة على قومه، وأن تماديهم بالغَيِّ مآله إلى الهلاك، وقد يستبدلهم الله ولا يضرونه شيئًا فالله على كل شيء حفيظ. ولما نزل العذاب نجّى الله هودًا والذين آمنوا وأهلك الطغاة والعتاة والمجرمين، وأتبعهم لعنة إلى يوم الدين، ويوم القيامة هم من المبعدين المقبوحين الهالكين.
فقوله: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ﴾. أي يقول هود - ﷺ - لقومه: فإن أعرضتم عن الحق وتَنَكَّرْتُم لهذا الوحي فقد أقمت عليكم الحجة فيما يجب عليكم من إفراد الله تعالى بالتعظيم والعبادة.
وقوله: ﴿وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾.
أي: والله تعالى هو الذي يهلككم ولا تعجزونه، ويستخلف قومًا بعدكم خيرًا منكم يقومون بمقتضى التوحيد وإخلاص العبادة له سبحانه، ثم إنه لا يضره هلاككم كما لا تضرونه بكفركم بل يعود وبال ذلك عليكم.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر مرفوعًا: [قال الله تعالى: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني] (١).
قال ابن جرير: (﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾، يقول: إن ربي على جميع خلقه ذو حفظ وعلم. يقول: هو الذي يحفظني من أن تنالوني بسوء).
وقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾.
أي: وحين جاء ميقات عذاب قوم هود بإرسال الريح العقيم لتستأصلهم عن آخرهم، نجّى الله تعالى نبيّهُ هودًا والمؤمنين معه بفضل منه وبكرمه ورحمته. قال النسفي: (﴿بِرَحْمَةٍ مِنَّا﴾ أي بفضل منا لا بعملهم، أو بالإيمان الذي أنعمنا عليهم. ﴿وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾. قال: وتكرار "نجينا" للتأكيد أو الثانية من عذاب الآخرة ولا عذاب أغلظ منه).