قال ابن كثير: (فإنه - أي القرآن - أعظم نعمةٍ أنعمها الله على أهل الأرض، إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، حيث جعله كتابًا مستقيمًا لا اعوجاجَ فيه ولا زيغَ، بل يَهدي إلى صراط مستقيم، بَيِّنًا واضِحًا جليًا، نذيرًا للكافرين وبشيرًا للمؤمنين، ولهذا قال: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾، أي: لم يجعل فيه اعوجاجًا ولا زَيغًا ولا مَيْلًا، بل جعله معتدلًا مستقيمًا. ولهذا قال: ﴿قَيِّمًا﴾، أي: مستقيمًا).
وقوله: ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ﴾. تهديد للكافرين بعذاب من عند الله في الدارين. قال محمد بن إسحاق: (عاجل عقوبة في الدنيا وعذابًا في الآخرة). وقال قتادة: (﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾: أي: من عنده).
وقوله: ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾. بشارة للمؤمنين أهل العمل الصالح بالثواب الجزيل في جنات النعيم يوم القيامة. ولهذا قال: ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾. قال ابن إسحاق: (أي: في دار خلد لا يموتون فيها، الذين صدقوك بما جئت به عن الله، وعملوا بما أمرتهم).
وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يجاء بالموت كأنه كبش أملحُ، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون فينظرون ويقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه، ثم ينادى: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون فينظرون فيقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه، فيؤمر به فيذبح، ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾. أي: من مشركي قومه وغيرهم.
قال ابن إسحاق: (يعني قريشًا في قولهم: إنما نعبد الملائكة، وهنّ بنات الله). وفي صحيح البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: [ليس أحدٌ أصبرَ على أذى سَمِعَهُ من الله، إنهم ليَدْعون له ولدًا، وإنه ليُعافيهم ويرزقُهم] (٢).
وقوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٠٩٩) - كتاب الأدب، باب الصبر في الأذى.