فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ}. أي: فأرسلوا واحدًا منكم ببعض ما استصحبتم من الفضة والدراهم إلى مدينتكم التي خرجتم منها، ليتخيَّر لكم من الطعام الطيب الحلال فيأتيكم به لتطعموه وتسدوا به الجوع بعد النوم.
وقوله: ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾.
قال ابن جرير: (يقول: وليترفق في شرائه ما يشتري، وفي طريقه ودخوله المدينة. يقول: ولا يعلمن بكم أحدًا من الناس).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾. سنة عظيمة بين أهل الحق والباطل، فإن الباطل يتبعه الطغاة والمتكبرون، وهم يرون في أهل الحق والصدق خصومهم، فيهمّون بهم بكل وسيلة ليثنوهم عما هم فيه من التمسك بالحق وتعظيم الله وحده لا شريك له، فإن تابعوهم على مرادهم فلا فلاح لهم في الدنيا والآخرة.
قال ابن جريج: (﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ﴾ قال: يشتموكم بالقول، يؤذوكم).
وقال الزجاج: (﴿يَرْجُمُوكُمْ﴾ معناه بالحجارة، وهو أخبث القتل) - وهذا المعنى أقوى وأرجح، لوجود العزم على قتلهم من قبل.
قال القرطبي: (والرجم فيما سلف هي كانت على ما ذكر قبله عقوبة مخالفة دين الناس إذ هي أشفى لجملة أهل ذلك الدِّين من حيث إنهم يشتركون فيها).
قلت: وهذه الآية الكريمة تشكل منهجًا في الحذر والتهيؤ للتصدي لمحاولات أهل الباطل، فإن أهل الحق أهل ذكاء وفطنة، أهل وعي وحنكة، يفهمون الواقع الذي يعيشون فيه، ويدركون طبيعة الأعداء وما يخططون، وليسوا بالسذج ولا البسطاء الذين يسهل الضحك عليهم، أو يكون من السهل خداعهم.
وفي التنزيل: ﴿وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾. قالى القرطبي: (هذا وصاة بالحذر... لئلا ينال العدو أمله ويدرك فرصته).
ومنه قول عمر رضي الله عنه: (لست بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعني).
فدعا الإسلام العظيم إلى الحذر والدقة ومنع الطيش والغباء، وأخرج رجالًا هم مثال البشرية في الدقة والعلم والإتقان.