وقوله: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾
أي: اصبر نفسك يا محمد على مجالسة أصحابك الذين يتضرعون إلى الله تعالى بالتهليل والتحميد والتسبيح والتكبير صباح مساء يبتغون نصره ورضاه، سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أوضعفاء.
وقد كان بعض أشراف قريش يتكبرون عن مجالسة النبي - ﷺ - والسماع منه طالما جلس معه ضعفاء المؤمنين كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود، فحدّث نفسه بشيء من ذلك، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام: ٥٢].
ففي صحيح مسلم عن سعد رضي الله عنه قال: [فيَّ نزلت: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾، قال: نزلت في ستة: أنا وابن مسعود منهم، وكان المشركون قالوا: تدْني هؤلاء] (١).
وفي سنن ابن ماجه بسند صحيح عن أبي الكَنود، عن خباب. في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾.. إلى قوله: ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٢]. قال: [جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حِصْنٍ الفزاري، فوجدوا رسول الله - ﷺ - مع صُهيب وبلال وعمار وخباب، قاعدًا في ناس من الضعفاء من المؤمنين. فلما رأوهم حول النبي - ﷺ - حقروهم. فأتوه فَخَلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعلَ لنا منك مجلسًا، تَعْرِفُ لنا به العرب فضلنا. فإن وفود العرب تأتيك فنسْتحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد. فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك. فإذا نحن فرغنا، فاقعد معهم إن شئت. قال: "نعم"، قالوا: فاكتب لنا عليك كتابًا. قال: فدعا بصحيفة، ودعا عليًا ليكتب، ونحن قعود في ناحية، فنزل جبرائيل عليه السلام فقال: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٢]. ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فقال: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣]. ثم قال: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: ٥٤].

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه (٤/ ١٨٧٨) - حديث رقم - (٢٤١٣).


الصفحة التالية
Icon