قال: فدنونا منه حتى وضعنا رُكَبَنا على ركبته. وكان رسول الله - ﷺ - يجلس معنا. فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا. فأنزل الله: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ (ولا تجالس الأشراف) ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ (يعني عيينة والأقرع) ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾. (قال: هلاكًا)، قال: أمْرُ عيينة والأقرع. ثم ضرَب لهم مثلَ الرجلين ومثلَ الحياة الدنيا.
قال خباب: فكنا نقعد مع النبي - ﷺ -. فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها، قمنا وتركناه حتى يقوم] (١).
وفي سنن ابن ماجه أيضًا بإسناد صحيح عن سعد قال: [كنا مع النبي - ﷺ - ستة نفر، فقال المشركون للنبي - ﷺ -: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا. قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله - ﷺ - ما شاء الله أن يقع فحدّث نفسه، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾] (٢).
وقوله: ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. قال ابن عباس: (لا تجاوزهم إلى غيرهم). أي: لا تتعدهم إلى غيرهم تبغي بمجالستهم الشرف والفخر. وعَن ابن زيد: (﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال: تريد أشراف الدنيا).
وقوله: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾.
أي: ولا تطع يا محمد من غلب الشقاء على قلبه ممن يسألونك طرد المؤمنين ليقبلوا مجالستك، وممن يؤثرون اتباع هوى نفوسهم على طاعة ربهم وعبادته.
وقوله: ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.
قال مجاهد: (ضياعًا). وقال عباد بن راشد عن داود: (ندامة). وقال أبو الكنود، عن خباب: (﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾: هلاكًا). وقال ابن زيد: (مخالفًا للحق، ذلك الفُرُط). واختار ابن جرير أن يكون المعنى: (ضياعًا وهلاكًا). وقال ابن كثير: (﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ أي: أعماله وأفعاله سفَهٌ وتفريطٌ وضياع، ولا تكن مطيعًا له ولا مُحِبًّا لطريقته، ولا تَغْبطه بما هو فيه، كما قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا

(١) حديث صحيح. انظر صحيح سنن ابن ماجه (٣٣٢٩) - كتاب الزهد - باب مجالسة الفقراء.
(٢) حديث صحيح. انظر سنن ابن ماجه (٢/ ١٣٨٣)، ورواه أحمد والحاكم من حديث سعد رضي الله عنه. انظر كتابي: السيرة النبوية (١/ ٢٤٣) لتفصيل البحث والروايات.


الصفحة التالية
Icon