وقوله: ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾. أي: انصرف مسرعًا لإحضار الضيافة والقيام بآداب الاستقبال، فأتاهم بعجل مشوي على الحجارة المحماة.
قال ابن عباس (﴿بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾، يقول: نضيج). وقال مجاهد: (﴿بِعِجْلٍ﴾، حَسِيل البقر، و"الحنيذ"، المشوي النضيج). وقال: (﴿بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾، نضيج، سُخِّنَ، أنضج بالحجارة). وقال السدي: (ذبحه ثم شواه في الرَّضف) - وهي الحجارة المحماة. وفي لغة العرب: حنذت الشاة أي شويتها، وجعلت فوقها حجارة مُحْمَاة لتنضجَها فهي حنيذ.
وفي الآيات من آداب الضيافة:
١ - ردّه السلام بسلام أحسن منه. فالرفع يدل على الثبوت والدوام - ﴿قَالَ سَلَامٌ﴾.
٢ - انسحب بسرعة للقيام بحسن الضيافة - ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ - أي ما أبطأ مجيئه، و"ما" نافية.
٣ - قرّب إليهم الطعام، فإن كرامة الضيف تعجيل التقديم، وكرامة صاحب المنزل المبادرة بالقبول، فلما قبضوا أيديهم نكرهم إبراهيم، لأنهم خرجوا عن العادة وخالفوا السنة، وخاف أن يكون وراءهم مكروه يقصدونه، فإن العرب إذا رأوا الضيف لا يأكل ظنوا به شرًا. وهو قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾.
٤ - من حسن الضيافة مسارقة الضيف النظر للتأكد من أنه يأكل، وذلك بين الفينة والفينة بتلفت ومسارقة لا بتحديد النظر.
وفي التنزيل: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧)﴾ [الذاريات: ٢٦، ٢٧].
وقد حفلت السنة الصحيحة كذلك بذكر فضائل وآداب الضيافة، في أحاديث من جوامع كلم النبوة:
الحديث الأول: أخرج البخاري في صحيحه عن أبي شُرَيح الخزاعي قال: [سَمِعَ أُذُنايَ وَوَعاهُ قلبي النبي - ﷺ - يقول: "الضيافة ثلاثةُ أيام، جائزتُهُ"، قيل: وما جائِزتُهُ؟


الصفحة التالية
Icon