تَكُ شَيْئًا (٩) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)}.
في هذه الآيات: نزولُ البشارة من الله على زكريا بغلام يولد له اسمه يحيى يُفرد بتسميته. وتعجب زكريا من حصول ذلكَ وامرأتهُ لم تلد وقد كبر هو وعَسَا عَظْمُه ونحُل. وتثبيتُ الله إياه بذكر عجائب قدرته في خلقه قبل يحيى وقد كان عدمًا. وسؤال زكريا ربه آية على البشارة فقال آيتك أن يُحْبسَ لسانُكَ عن الكلام ثلاث ليال وأنتَ صحيح سوي. فخرج على قومهِ فأشار إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًّا.
فقوله: ﴿يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾ - فيه إجابةُ الله تعالى ذلكَ الدعاء.
قال القرطبي: (في الكلام حذف، أي فاستجاب الله دعاءه فقال: ﴿يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾ فتضمنت هذه البشرى ثلاثة أشياء: أحدها: إجابة دعائه وهي كرامة. الثاني: إعطاؤه الولد وهو قوة. الثالث: أن يفرد بتسميته).
وفي التنزيل نحو ذلك: قال سبحانه: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: ٣٨ - ٣٩].
وعن قتادةَ: (قوله: ﴿يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾ عبدٌ أحياه الله للإيمان). أي: إنما سماه الله يحيى لإحيائه إياه بالإيمان، واللهُ تعالى أعلم.
وقوله: ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾. فيه أقوال متكاملة:
١ - قال ابن عباس: (يقول: لم تلد العواقر مثله ولدًا قط).
٢ - وقال مجاهد: (﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ قال: شبيهًا. وبنحوه قوله تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥]، أي شبيهًا.
٣ - وقال قتادة: (لم يسمَّ يحيى أحد قبله). وقال ابن زيد: (لم يسمّ أحد قبله بهذا الاسم). واختاره ابن جرير.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾.
قال ابن زيد: (العتي: الذي قد عتا عن الولد فيما يرى نفسه لا يولد له). وعن ابن عباس قال: (يعني بالعتي: الكبر). وقال مجاهد: (نُحول العظم).