وقوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾.
قال ابن جريج: (أشرف على قومهِ من المحراب). أي: الذي بُشِّرَ فيه بالولد. وقال ابن زيد: (المحراب: مُصلاه، وقرأ: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾ [آل عمران: ٣٩]). وعن مجاهد: (﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ أي: أشار إليهم. وفي رواية كتب لهم في الأرض). وقال قتادة: (أومى إليهم). قال ابن زيد: (ما أدري كتابًا كتبهُ لهم، أو إشارة أشارها، واللهُ أعلم، قال: أمرهم ﴿أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾، وهو لا يكلمهم).
١٢ - ١٥. قوله تعالى: ﴿يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)﴾.
في هذه الآيات: أمْرُ الله تعالى يحيى أخذ التوراة بقوة وعزيمة، وإنعامُه تعالى عليه بالعلم والفهم والرحمة والعمل الصالح الزكي، وبر الوالدين ولين الجانب، وأتبع ذلكَ سبحانهُ بأمان عليه في المواطن الثلاثة: يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيًّا.
فقوله: ﴿يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾. قال مجاهد وقتادة: (بجدّ). وقال ابن زيد: (القوة أن يعمل ما أمره الله به، ويجانب فيه ما نهاه الله). والخطاب ليحيى بن زكريا بعدما ولد وصار صبيًا مُهَيَّأً لحمل الأمانة. والمقصود بالكتاب: التوراة، أي يقول الله له: يا يحيى خذ هذا الكتاب الذي أنزله الله على موسى، وهو التوراة بجدٍّ وعزيمة، وأقم أمر الله في الأرض.
وقوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾. قال ابن كثير: (أي الفهم والعلم والجد والعزم، والإقبال على الخير، والإكباب عليه، والاجتهاد فيه وهو صغير حديث السِّن).
وقوله: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾. قال ابن عباس: (يقول: ورحمة من عندنا). وقال مجاهد: (وتعطفًا من ربه عليه). وقال عكرمة: (محبّةً عليه). قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: ورحمة منا ومحبّة له آتيناه الحكم صبيًا). وقيل: هي رحمة عظيمة يشفق بها على الخلق. قلت: وكذا المعنيين حق.
وقوله: ﴿وَزَكَاةً﴾. معطوف على ﴿وَحَنَانًا﴾. والزكاة هنا: الطهارة من الذنوب والعمل بطاعة الله.