وعن ابن جريج: (يقولون: إنه إنما نفخ في جيب درعها وكمها). يعني الملك، فحملت بإذن الله، ثم انصرف عنها.
وقوله: ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾. قال مجاهد: (ألجأها المخاض). قال ابن جريج: وقال ابن عباس: (ألجأها المخاض إلى جذع النخلة). وقال قتادة: (اضطرّها المخاض إلى جذع النخلة). وهي نخلة في المكان الذي تَنَحَّتْ إليهِ، ولا دليل على موقعهِ الدقيق من بيت المقدس، فالأولى عدمُ الخوض بذلك. وإنما المقصود أنه ألجأها ألم الولادة إلى الاستناد بذلكَ الجذع لتعتمد عليه وتستتر به.
وقوله: ﴿قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾. أي: كما قال ابن عباس: (لم أخلق، ولم أك شيئًا). وقال السدي: (نسيًا. نُسي ذكري. ومنسيًا: تقول: نسي أثري، فلا يُرى لي أثرٌ ولا عين). وعن قتادة: (أي شيئًا لا يعرفُ ولا يذكر).
قال القاسمي: (وإنما قالت ذلك، لما عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود، الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد. فلحقها فرط الحياء وخوف اللائمة إذا بهتوها وهي عارفة ببراءة الساحة، وبضد ما قرفت به، من اختصاص الله إياها بغاية الإجلال والإكرام).
وقوله تعالى: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾.
أي ناداها الملك جبريل عليه السلام مطمئنًا لها ألا تحزني ولا تهتمي بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس فها قد جعل ربك بقربك نهرًا صغيرًا.
فعن ابن عباس: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾: جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها).
وعن قتادة: (إنه المَلَكُ جبريل عليه الصلاة والسلام، أي ناداها من أسفل الوادي).
وقيل: ناداها ابنها عيسى، والأول أرجح.
قال القرطبي: (وقوله: ﴿أَلَّا تَحْزَنِي﴾ تفسير النداء، و"أَنْ" مفسّرة بمعنى أي، المعنى: فلا تحزني بولادتك. ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ ويعني عيسى. والسريّ من الرجال العظيم الخصال السّيد). وعن ابن عباس: (السري: النهر). وبه قال عمرو بن ميمون: (نهر تَشْربُ منه). وقال الضحاك: (هو النهر الصغير بالسريانية). وقال وهب بن منبه: (هو ربيع الماء). وقال السدي: (هو النهر) - واختاره ابن جرير.