وقوله تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾.
قال ابن عباس: (كان جذعًا يابسًا، فقال لها: هزّيه "تساقط عليك رطبًا جنيًا").
قال القاسمي: (أي حضر أوانُ اجتنائه). والمقصود أن الله تعالى قد امتن عليها بأن جعل عندها طعامًا وشرابًا.
قال الزمخشري: (فإن قلت: ما كان حزنها لفقد الطعام والشراب حتى تسلَّى بالسريّ والرطب! قلت: لم تقع التسلية بهما من حيث إنهما طعامٌ وشراب، ولكن من حيث إنهما معجزتان تُريان الناس أنها من أهل العصمةِ، والبعد من الريبة، وأنَّ مثلها، مما قرفوها به، بمعزل. وأن لها أمورًا إلهية خارجة عن العادات، خارقة لما ألفوا واعتادوا، حتى يتبيّن لهم أن ولادها من غير فحل ليس ببدع من شأنها).
قلت: بل لا مانع من كون التسيلة بالسري والرطب من بابِ الاطمئنان، والأنس بالطعام والشراب في تلك الوحدةِ إضافة لكون ذلكَ معجزة تميزها وتشهد لبراءتها واختصاصها من الله تعالى.
وقوله: ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا﴾ أي: كلي واشربي وطيبي نفسًا ولا تغتمي. وقيل: جمعنا لك في السري والرطب فائدتين: إحداهما الأكل والشرب والثانية سلوة الصدر، لكونهما معجزتين. وكان عمرو بن ميمون يقول: (ما من شيء خير للنُّفَساء مِنْ التَّمر والرُّطَب) - ويتلو هذه الآية.
وقوله: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾.
أي: فإن رأيت آدميًّا يسألك عن حالك فقولي: إني نذرتُ للرحمن صمتًا وإمساكًا عن الكلام. قال ابن عباس: (يعني بالصوم: الصمت). وقال أنس بن مالك: (صومًا: صمتًا) - رواه ابن جرير. قال النسفي: (وإنما أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة، وقد تسمى الإشارةُ كلامًا وقولًا: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ آدميًّا).
٢٧ - ٣٣. قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)