وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)}.
في هذه الآيات: مجيء مريم قومها تحمل وليدها، وتعجب قومها من أمرها، وتكلُّم الصبي في المهد منزهًا ربه تعالى ومبرئًا أمهُ مما نسب إليها، ومثبتًا لنفسه النبوة من الله له والوصية بالصلاة والزكاة وبر الوالدة وحمايته من الشقاء، والسلام عليهِ في هذه المواطن الثلاثة: يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حَيًّا.
فقوله: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾. قال وهب بن منبه: (أنساها يعني مريم كرب البلاء وخوف الناس ما كانت تسمعُ من الملائكة من البشارة بعيسى، حتى إذا كَلّمها، يعني عيسى، وجاءها مصداقُ ما كان الله وعدها احتملته ثم أقبلت به إلى قومها).
وقوله: ﴿قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾. قال مجاهد: (أي: أمرًا عظيمًا).
أي: فلما رأوها والطفل بيدها أنكروا ذلكَ عليها واستعظموه وقالوا لها: يا مريم لقد أحدثت حدثًا عظيمًا، جئت بأمر عجيب.
وقوله تعالى: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾.
أي: يا شبيهة هارون في العبادة والزهادة، لقد كنت من أهل بيت يعرفون بالصلاح والعفاف، فكيف صدر منكِ هذا؟ وفيه تأويلان محتملان:
١ - قال السدي: (قيل لها: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾، أي: أخي موسى، وكانت من نَسْلهِ، كما يقال للتميمي: يا أخا تميم، وللمضري: يا أخا مضر).
٢ - قال قتادة: (كان رجلًا صالحًا في بني إسرائيل يسمى هارون، فشبَّهوها به، فقالوا: يا شبيهة هارون في الصلاح). وقال أيضًا: (كانت من أهل بيتِ يُعرفون بالصلاح، ولا يُعرفون بالفساد، ومن الناسِ من يُعرفون بالصلاح ويتوالدون به، وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به، وكان هارون مصلحًا محببًا في عشيرته، وليس بهارون أخي موسى، ولكنه هارون آخر).
وأما ما ذُكِرَ عَن القرظي من أنها أخت هارون لأبيه وأمه، وهي أخت موسى أخي