تعالى عباده ووعدهم بها بظهر الغيب، ولا مخلف لوعده سبحانه. قال النسفي (﴿بِالْغَيْبِ﴾ أي وعدها وهي غائبة عنهم غير حاضرة، أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها). وقال ابن كثير: (﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا﴾، تأكيد لحصول ذلكَ وثبوته واستقراره، فإن الله لا يخلف الميعاد ولا يبدّله، كقوله: ﴿كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا﴾، أي: كائن لا محالة. وقوله ها هنا: ﴿مَأْتِيًّا﴾ أي: العباد صائرون إليه، وسيأتونه). وقيل: مأتيًا أي آتيًا، وكلا المعنيين حق.
وقوله: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا﴾.
أي: لا يسمعون في الجنة ساقط الكلام ولغوه وتافهه وسفسافه، بل يسمعون سلامًا من الملائكة أو من بعضهم على بعض، ويحتمل أن يكون التقدير: لا يسمعون إلا ما فيه السلامة من النقص والعيوب. فهو استثناء منقطع عند الجمهور. كقوله تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾.
وقوله: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾. أي: في أوقات تتعاقب، يعرفون مُضيَّها بأضواء وأنوار.
قال مجاهد: (ليس بكرة ولا عَشِيًّا، ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا).
وعن قتادة قال: (فيها ساعتان بكرة وعشيّ، فإن ذلكَ لهم ليس ثَمَّ ليل، إنما هو ضوء ونور).
والمقصود: تعاقب الرزق عليهم في مثل وقت البُكرات ووقت العشيات، لا أن هناكَ ليلًا ونهارًا. قال النسفي: (أي يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار من الدنيا إذ لا ليل ولا نهار ثمَّ لأنهم في النور أبدًا، وإنما يعرفون مقدار النهار برفع الحجب ومقدار الليل بإرخائها، والرزق بالبكرة والعشي أفضل العيش عند العرب فوصف الله جنته بذلك.
وقيل: أراد دوام الرزق كما تقول أنا عند فلان بكرة وعشيًا تريد الدوام).
قلت: وهذا من بديع التفسير، وأبدع منه ما جاء في صحيح السنة المطهرة في ذلك:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللهُ عَنْهُ: أن رسول الله - ﷺ - قال: [أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخلُ الجنَّةَ على صورةِ القمَرِ لَيْلَةَ البدر، والذين على إِثْرِهم كأشدّ