وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا﴾.
قال ابن كثير: (ثمّ هاهنا لعطف الخبر على الخبر، والمرادُ أنه تعالى أعلمُ بمن يستحقُّ من العباد أن يَصْلَى بنار جهنم ويخلُد فيها ومَنْ يستحقّ تَضعِيفَ العذاب، كما قال في الآية المتقدمة: ﴿قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾.
هو من ذكر الصراط يوم القيامة. والصراط: جسر على جهنم، يُوَجَّه الناس إليهِ بعد مفارقتهم مكانَ الموقف إلى الظلمةِ التي دون الصراط حيث يفترق المنافقون عن المؤمنين ويتخلفون عنهم، ويسبقهم المؤمنون ويحال بينهم بسور يمنعهم الوصول إليهم.
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي اللهُ عَنْها قالت: [إن رسول الله - ﷺ - سُئل: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال: هم في الظلمة دون الجسر].
وفي رواية قالت: [سألت رسول الله - ﷺ - عن قوله: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ فأين يكون الناس يومئذ؟ قال: على الصراط] (١).
وعن قتادة: (﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ قال: هو المرّ عليها). أي المرور على الصراط.
وعن أبي الأحوص عن عبد الله: في قوله: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ قال: (الصراط على جهنم مثلُ حد السيف، فتمر الطبقة الأولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود البهائم، ثم يمرون والملائكة يقولون: اللهم سلِّم سلِّم).
وفي صحيح سنن الترمذي عن عبد الله قال: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾، قال: [يردونها ثم يصدرون بأعمالهم] (٢).
وكذلك روى الترمذي بسند صحيح عن السدي قال: سألت مُرَّة الهمداني عن قول الله: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾، فحدثني: أن عبد الله بن مسعود حدثهم قال: قال رسول الله - ﷺ -: [يَردُ الناسُ النارَ، ثم يَصْدُرُونَ عنها بأعمالهم، فأوَّلهُم كلمْحِ البَرْقِ،

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه (٢٧٩١)، ورواه أحمد في المسند -حديث رقم- (٣٥١٦).
(٢) صحيح موقوف، وهو في حكم المرفوع. أخرجه الترمذي في السنن (٣٣٨٢) - عند تفسير سورة مريم- آية- (٧١). وانظر صحيح سنن الترمذي (٢٥٢٧).


الصفحة التالية
Icon