كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة. كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سَلِّم سَلِّم، فيمرّ المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مُسَلَّم (١)، ومخدوش مرسَل (٢)، ومكدوس في نار جهنم (٣)، حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة في الحق -قد تبين لكم- من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار..] الحديث (٤).
٧٣ - ٧٦. قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤) قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (٧٥) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦)﴾.
في هذه الآيات: إخبار الله تعالى عن سلوك الكفار حين تُتلى عليهم آيات الله واضحة بينة ظاهرة الدلالة والحجّة كيف يصدون ويعرضون ويفتخرون على الذين آمنوا كذبًا أنهم خير منازل وأرفع مكانة وأعمر ناديًا، والله قد أهلك من قبلهم أقوامًا كانوا أشد قوة وأكثر متاعًا. إن الله يمهل الكافرين حتى يوقعهم في شباك العذاب، ويزيد المؤمنين هدى وعند الله لهم خير الثواب.
فعن ابن عباس: (﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ قال: المقام: المسكن، والنديّ: المجلس والنّعمة والبهجة التي كانوا فيها. أو قال: المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه).
وعن مجاهد: (في قول الله: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ﴾ قال: قريش تقولها لأصحاب

(١) أي: نجاة وسلامة.
(٢) أي: خدش ولكن صاحبه ينطلق ويصل مع الإرهاق.
(٣) أي: متراكم بعضه فوق بعض في جهنم.
(٤) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١/ ١١٨)، وانظر الحديث بتمامه مع تفصيل بحث الصراط والشفاعة في كتابي: أصل الدين والإيمان (٢/ ٧٥٥ - ٧٥٩).


الصفحة التالية
Icon