محمد - ﷺ -، ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ قال: مجالسهم، يقولونه أيضًا). قال قتادة: (رأوا أصحاب محمد - ﷺ - في عيشهم خشونة، وفيهم قشافة، فَعَرَّض أهل الشرك بما تسمعون قوله ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ يقول: مجلسًا). وقال أيضًا: (الندي: المجلس، وقرأ قول الله: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ [العلق: ١٧] قال: مجلسه).
قال ابن كثير: (﴿خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾، أي: أحسنُ منازل وأرفعُ دُورًا وأحسنُ نديًّا، وهو مجتمع الرجال للحديث، أي: ناديهم أعمرُ وأكثر واردًا وطارقًا، يعنون: فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل، وأولئك الذين هم مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدور على الحق؟ كما قال تعالى مخبرًا عنهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١١]. وقال قومُ نوح: ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء: ١١١]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣]).
وقوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾.
أي: كم أهلكنا قبلهم من أمم كانوا على رَغَدٍ من العيش أكبر، وأموال وأمتعة أكثر، وأشكال ومناظر أجمل. وكلام المفسرين متقارب حول هذا المعنى.
قال ابن عباس: (﴿أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾، الرئي: المنظر، والأثاث: المتاع).
وعن الحسن: (الأثاث: أحسن المتاع، والرئي: المال). وعن قتادة: (﴿وَأَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ قال: أحسن صورًا، وأكثر أمولًا). وقال: (أي. أكثر متاعًا وأحسن منزلة ومستقرًا، فأهلك الله أموالهم، وأفسد صورهم عليهم تبارك وتعالى).
وقوله: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾. أي: قل يا محمد لمن أصر على الكفر: إنّ الله يمد له ليمكر به.
قال مجاهد: (فَلْيَدَعْهُ الله في طغيانه). قال النسفي: (وهذا الأمر بمعنى الخبر، أي من كفر مدّ له الرحمن يعني أمهله وأملى له في العمر ليزداد طغيانًا وضلالًا، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ وإنما أخرج على لفظ الأمر إيذانًا بوجوب ذلك، وأنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضلال).
وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا﴾.