أي: حتى إذا باغتهم وعد الله بالعذاب في الدنيا بالقتل والأسر على أيدي المسلمين، أو قامت القيامة لينالهم فيها من الخزي والنكال، فهنالك يعلمون أن المؤمنين هم كانوا خيرًا مقامًا وأحسن نديًا لا الكفار.
وقوله تعالى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾.
قال القرطبي: (أي ويثبت الله المؤمنين على الهدى، ويزيدهم في النّصرة، وينزل من الآيات ما يكون سبب زيادة اليقين مجازاة لهم). قال: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا﴾ أي جزاء، ﴿وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ أي في الآخرة مما افْتَخَرَ به الكفار في الدنيا). قيل: ﴿وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ من الردّ، أي خيرٌ ردًا على عاملها بالثواب. وقيل: أي خيرٌ مرجعًا فكل أحد يرد إلى عمله الذي عمله.
قلت: وهذه الهداية المذكورة في الآية على نوعين:
النوع الأول: قوله: ﴿الَّذِينَ اهْتَدَوْا﴾ - أي قبلوا بهداية الرسل وصدقوا بها وتابعوهم على الحق. وهي الهداية المسماة: هداية الدلالة والإرشاد.
التوع الثاني: قوله ﴿هُدًى﴾ - أي يزيد الله أصحاب الهداية السابقة -هداية الدلالة والإرشاد- هداية خاصة، وهي هداية التوفيق والإلهام، نتيجة لصدقهم في قبول هداية المرسلين، ورسوخهم في ما يقتضيه ذلك من الإيمان واليقين (١).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: ١١].
٢ - وقال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: ١٥ - ١٦].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته