وقوله تعالى: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾. أي: لا تنال الشفاعة إلا أهل الإيمان والعمل الصالح.
قال ابن كثير: (أي: ليس لهم من يشفع لهم كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض، كما قال تعالى مخبرًا عنهم: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١)﴾ [الشعراء: ١٠٠ - ١٠١]. وقوله: ﴿إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾، هذا استثناء منقطع، بمعنى: لكن من اتخذ عند الرحمن عهدًا، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، والقيام بحقّها).
وعن ابن عباس: (العهدُ شهادة أن لا إله إلا الله ويبرأُ من الحَوْل والقُوَّة، ولا يرجو إلا الله عز وجل). وقال ابن جريج: (المؤمنون يومئذ بعضهم لبعض شفعاء ﴿إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾. قال: عملًا صالحًا).
٨٨ - ٩٥. قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (٩٥)﴾.
في هذه الآيات: إنكار وتهديد، ووعيد شديد، لمن زعم أن للرحمن ولدًا، فالسماوات تتصدع والأرض تتشقق والجبال تخرّ لهذا الافتراء هدًّا، فكل ما في السماوات والأرض يقدم يوم القيامة عبدًا، والله أحصاهم جميعًا وعدّهم عدًا، وكل عبد يأتي يوم القيامة فقيرًا إلى ربه متذللًا فردًا.
فقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا﴾.
إنكار شديد على من زعم أنه لله ولدًا، تعالى الله وتقدس عما يقولون علوًا كبيرًا، وذلك بعد تقريره سبحانه في أرجاء هذه السورة عبودية عيسى عليه الصلاة والسلام، وخَلْقِه من مريم بلا أب. قال ابن عباس: (﴿شَيْئًا إِدًّا﴾ يقول: قولًا عظيمًا). وقال: (يقول: لقد جئتم شيئًا عظيمًا وهو المنكر من القول). وفي لغة العرب: أدّ فهو آد والاسم الإدّ، إذا جاء بشيء عظيم منكر. قال الجوهري: (الإدّ والإدّة الداهية والأمر الفظيع).