قال القرطبي: (أي لا يليق به ذلك ولا يوسف به ولا يجوز في حقه، لأنه لا يكون ولدٌ إلا من والد يكون له والد وأصل، والله سبحانه يتعالى عن ذلك ويتقدس).
وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾.
قال القاسمي: (أي مملوكًا له يأوي إليه بالعبودية والذل).
و﴿إِنْ﴾: نافية بمعنى ما. والتقدير: ما كل من في السماوات والأرض إلا سيأتي يوم القيامة خاضعًا لله مقرًّا له بالعبودية والذل.
وفي التنزيل:
﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل: ٨٧]- أي صَاغرين أذلاء.
والآية ردُّ آخر على من نسب لله الولد، بل الكل عبيد لله لا نسب بينه وبينه.
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: لقد أحصى الرحمن خلقه كلهم، وعدّهم عدًا، فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم، وعرف عددهم، فلا يعزب عنه منهم أحد. ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾. يقول: وجميع خلقه سوف يرد عليه يوم تقوم الساعة وحيدًا لا ناصر له من الله، ولا دافع عنه، فيقضي الله فيه ما هو قاضٍ، ويصنع به ما هو صانع).
وفي مسند الإمام أحمد وسنن الإمام النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: [خرج علينا رسول الله - ﷺ - وفي يده كتابان، فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ قال: قلنا لا إلَّا أن تُخْبِرَنا يا رسول الله، فقال للذي في يده اليمنى، هذا كتاب من ربّ العالمين، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أُجْمِلَ على آخرهم، فلا يُزادُ فيهم ولا يُنْقَصُ منهم أبدًا. ثم قال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا يُنقصُ منهم أبدًا. فقال أصحاب رسول الله - ﷺ -: فلأي شيء إذن نعَملُ إن كان هذا أمْرًا قد فُرغَ منه؟ قال رسول الله - ﷺ -: سدّدوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل، ثم قام بيده فقبضها، ثم قال: فرغ ربكم عز وجل


الصفحة التالية
Icon