بين أظهرهم، وأمروه أن يتّبعَ أدبارهم، أي: يكون ساقةً لأهله. وهناك قراءتان مشهورتان: قرأ عامة قراء الكوفة والبصرة ﴿فَأَسْرِ﴾، في حين قرأها عامة قراء مكة والمدينة "فاسْر" بغير همز، وسرى فلان وأسرى في كلام العرب إذا سار بليل، ﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ أي من آخر الليل، أو بظلمة من الليل أو بساعة من الليل. قال ابن عباس: (بطائفة من الليل).
وقوله: ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾. قال ابن كثير: (أي: إذا سمعت ما نزل بهم، ولا تَهُولنَّكم تلك الأصوات المزعجة، ولكن استمروا ذاهبين).
وقوله: ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ - فيه قراءتان:
١ - قراءة قراء الحجاز والكوفة وبعض قراء البصرة ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ بالنصب، أي فأسر بأهلك إلا امرأتك، فَأُمِرَ أن يُسري بأهله سوى زوجته أُمِرَ بتخليفها مع قومها.
٢ - وأما القراءة الثانية "إلا امرأتُك" - فهي قراءة بعض البصريين. والتقدير: لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك، فنهى لوط من معه من الالتفات سوى زوجته أخرجها معه وإنها التفتت فهلكت لذلك.
وكلاهما قراءتان مشهورتان، وإن كان النصب أشهر القراءتين، وأنه أمر لوط - ﷺ - بتخليف زوجته مع قومها، والله تعالى أعلم.
وقوله: ﴿إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾. أي: إنه واقع بها العذاب الذي هو واقع بقومها.
وقوله: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾. قال ابن إسحاق: (أي: إنما ينزل بهم من صبح ليلتك هذه، فامض لما تؤمر).
قال القرطبي: (لما قالت الملائكة: ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ [العنكبوت: ٣١] قال لوط: الآن الآن. استعجلهم بالعذاب لغيظه على قومه، فقالوا: ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾. قال: ويحتمل أن يكون جعل الصبح ميقاتًا لهلاكهم، لأن النفوس فيه أودع، والناس فيه أجمع).
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ﴾.
أي: وحين جاء أمر العذاب ونزول الهلاك بهم جعل الله عالي قريتهم سافلها وأرسل عليهم حجارة مُسْتَحْجرة قوية شديدة متتابعة.