قال ابن عباس: (وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعز عليهم من الله، وصغر شأن الله عندهم، عزّ ربّنا وجَلّ).
وقال قتادة: (لم تراقبوه في شيء، إنما تراقبون قومي، ﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾، لا تخافونه، يقول: عززتم قومكم، وأظهرتم بربكم). أو قال: (واغتررتم بربكم). وقال سفيان: (استخففتم بأمره).
وفي لغة العرب: "نبذ فلان حاجة فلان وراءه ظهره"، إذا تركها ولم يلتفت إليه. والظهريّ منسوب إلى الظهر.
وقوله: ﴿إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾. قال ابن جرير: (يقول: إن ربي محيط علمه بعملكم فلا يخفى عليه منه شيء، وهو مجازيكم على جميعه عاجلًا وآجلًا).
وقوله: ﴿وَيَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ﴾. أي: اعملوا على تمكنكم ومنازلكم ووسعكم وطريقتكم فإني عامل على تمكني ووسعي وطريقتي. قال ابن كثير: (﴿اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾، أي: على طريقتكم. وهذا تهديد ووعيد شديد، ﴿إِنِّي عَامِلٌ﴾، على طريقتي ومنهجي).
وقوله: ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾.
أي: سوف تعلمون من يأتيه عذاب يهلكه ويذله ويهينه، ومن هو المفسد من المصلح، ومن هو كاذب منا فيذوق وبال أمره، وانتظروا العاقبة وما أقول لكم فإني معكم مترقب منتظر. قال القرطبي: (﴿وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ أي انتظروا العذاب والسخطة، فإني منتظر النصر والرحمة).
وقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾.
أي: ولما حان ميعاد عذاب قوم شعيب نجّى الله تعالى شعيبًا والمؤمنين الذين ناصروه وتابعوه وآمنوا معه برحمته سبحانه، وانتقم من القوم الذين ظلموا فأخمدهم بصيحة جعلتهم في ديارهم هامدين لا حَرَاكَ بهم.
قال ابن كثير: (وذكر ها هنا أنهم أتتهم صيحة، وفي الأعراف رجفة، وفي الشعراء عذابُ يوم الظُّلَّة، وهم أمةٌ واحدة، اجتمع عليهم يومَ عذابهم هذه النقَمُ كلها، وإنما


الصفحة التالية
Icon