ذكر في كل سياق ما يناسبه، ففي الأعراف لما قالوا: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا﴾ [الأعراف: ٨٨]، ناسب أن يذكر هناك الرجفةَ فَرُجِفَت بهم الأرض التي ظلموا بها، وأرادوا إخراج نبيِّهم منها، وها هنا لما أساؤوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ناسبَ ذكر الصيحة التي أسكتتهم وأخمدتهم، وفيِ الشعراء لما قالوا: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾، قال: ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾، وهذا من الأسرار الغريبة الدقيقة، ولله الحمد والمنة كثيرًا دائمًا).
وقوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾. أي: كأنهم لم يعيشوا في تلك المساكن والديار قبل ذلك. قال ابن عباس: (﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ يقول: كأن لم يعيشوا فيها).
وقوله: ﴿أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾. أي: ألا أبعد الله مدين بانتقامه منهم، كما أبعد قبلهم ثمود بحلول سخطه بهم.
قال القاسمي: (شبههم بهم، لأن عذابهم كان أيضًا بالصيحة، وكانوا قريبًا منهم في المنزل، نظراءهم في الكفر، وقطع الطريق، وكانوا أعرابًا مثلهم).
٩٦ - ٩٩. قوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩)﴾.
في هذه الآيات: خَبَرُ إرسال الله تعالى موسى عليه الصلاة والسلام إلى فرعون وملئه، واستكبارهم عن اتباع الحق إلى أمر فرعون المتجبر العنيد. إنه سيقدم قومه يوم القيامة إلى نار الجحيم، وسيتبعهم الله إضافة إلى عذاب الدنيا لعنة، ثم تنالهم لعنة أخرى يوم القيامة، فبئس ما هم فيه من تتابع اللعن عليهم والخزي والشقاء.
فقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾.
إِخْبَارٌ من الله تعالى عن إرساله موسى - عليه الصلاة والسلام - بحججه الدامغة، وبراهينه وأدلته القاطعة، إلى الطاغية فرعون - ملك ديار مصر على أمة القبط - ومن معه في الحكم من الملأ الباغي. قال ابن جرير: (﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾، يعني: إلى أشراف جنده وتبَّاعه).