يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)}.
في هذه الآيات: إِخْبَارُ الله تعالى أن في تلك القصص عبرة لمن خاف عذاب الله يوم القيامة، إنه يوم يجتمع فيه الخلق جميعهم، وتشهده الملائكة، وقد سبق توقيته في قضاء الله، إنه يوم لا يتكلم فيه أحد إلا بإذن الله، ويقسم الناس إلى فريقين: أهل الشقاوة وأهل السعادة. فأهل الشقاوة يصارون إلى منازلهم في نار جهنم خالدين فيها إلا ما شاء الله، فهو الفعال لما يريد. وأهل السعادة يصارون إلى مراتبهم ومساكنهم في الجنة خالدين فيها، تكرمة الله لهم في عطاء غير مقطوع، ونعيم لا حدود له.
فقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ﴾. أي: إن في إهلاك تلك القرى الظالم أهلها لعبرة وعظة لمن أراد النجاة من عذاب الله في الآخرة، فينزجر عن الخوض في ظلمات المعاصي والكفر والآثام، ويعلم أن الله سينصر المؤمنين في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
قال ابن زيد: (﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ﴾، إنا سوف نفي لهم بما وعدناهم في الآخرة، كما وفينا للأنبياء: أنّا ننصرهم).
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١].
٢ - وقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة: ٢١].
٣ - وقال تعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [إبراهيم: ١٣، ١٤].
أخرج الخطيب في "التاريخ" والديلمي، وأبو نعيم في "الحلية" بسند رجاله ثقات عن أنس مرفوعًا: [النَّصرُ مع الصَّبْرِ، والفَرَجُ مع الكرب، وإن مع العُسْر يُسْرًا] (١).

(١) حديث صحيح. أخرجه الخطيب في "التاريخ" (١٠/ ٢٨٧)، والديلمي (٤/ ١١١ - ١١٢)، ولبعضه شواهد في المسند (١/ ٣٠٧)، ومستدرك الحاكم (٣/ ٥٤١ - ٥٤٢)، و"الحلية" (١/ ٣١٤).


الصفحة التالية
Icon