السابع: قيل: هو لإعلامهم بأنهم مع خلودهم ففي مشيئة الله، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود، نحو قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا﴾. ﴿فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾. ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ - ذكره ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية.
وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾. أي: يفعل ما يشاء ولا مانع لمضي أمره.
وقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.
بشارة عظيمة لدوام الخلود والسَّعادة لأهل الجنة في عطاء من الله لهم غير مقطوع عنهم. وأما الاستثناء - قلت: الخلاصة فيه - إن منهج التفسير عند الراسخين يتضمن ردّ المتشابه إلى المحكم، فقوله تعالى: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ محكم، مثل قوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾، ﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا﴾، ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ مما يدل أن الاستثناء في قوله: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ استثناء للوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة.
وعن الضحاك ومجاهد: (﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾، قال: غير مقطوع).
وقال ابن زيد: (غير منزوعٍ منهم). وقال أبو العالية: (﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾: أما هذه فقد أمضاها، يقول: عطاء غير منقطع).
وقد جاءت السنة الصحيحة بمفهوم استمرار النعيم في الجنة ودوام الخلود في روضاتها وملذاتها في عطاء غير مقطوع:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: [يؤتى بالموت كهيئة كَبْشٍ أملحَ فينادي منادٍ: يا أهل الجنة، فيشرئِبُّون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموتُ، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئِبُّون وينظرونَ فيقول: هل تَعْرِفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموتُ، وكلهم قد رآه، فَيذْبَحُ، ثم يقولُ: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موتَ، ويا أهل النار خلودٌ فلا موت] (١).