لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤١ - ٤٢].
وقوله: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾. قال قتادة: (خلق عجولًا).
قال النسفي: (والظاهر أن المراد الجنس، وأنه ركب فيه العجلة، فكأنه خلق من العجل، ولأنه يكثر منه).
قلت: والذي يبدو من السياق أن المقصود تسرّع الإنسان في الجناية على نفسه قبل التأني والبحث، فيستجيب لوسوسة شيطانه في نَفْخِهِ فيه الكبر والاستهزاء بغيره ولو كان غيره يدعو إلى الحق، وهذا حال المشركين حين قابلوا الوحي والنبوة بالعجب والتنطع والعجلة وركبوا موجة الكبر التي حرَّكها إبليس في نفوسهم حتى ران على قلوبهم وكان الهلاك بإصرارهم.
وقوله: ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾.
هو جواب الله تعالى لأولئك المتعجلين نزول العذاب بهم والانتقام منهم. وهنا نكتة لطيفة كما قال ابن كثير رحمه الله: (والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صلوات الله وسلامه عليه وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت ذلك فقال الله تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ لأنه تعالى يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه، يُؤجِّلُ ثم يُعَجَّلُ، وَيُنْظِرُ ثم لا يؤخِّر، ولهذا قال: ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي﴾، أي: نِقَمِي وحُكْمِي واقتداري على مَنْ عصاني، ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾).
وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
إخبار من الله سبحانه عن سلوك هؤلاء المشركين كمَنْ قبلهم في استعجال الرسل بوقوع العذاب بهم، تكذبيًا منهم بذلك وجحودًا واستبعادًا.
وقوله تعالى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾.
تقريبٌ من الله سبحانه لهؤلاء المنكرين البعث والحساب والعذاب لما هم مقبلون عليه من النكال بوصفه أحوالهم وهم في غمرات الجحيم، لا يستطيعون ردّ النار عن وجوههم ولا عن ظهورهم ولا سبيل لهم يومئذ إلى فرج أو نصر أو خلاص مما هم فيه.