والمقصود: أنه من حرث الأرض من غرسه أو نباته.
قال ابن عباس: (﴿إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ قال: رعت). وقال ابن إسحاق: (النفش: الرعية تحت الليل). وعن قتادة: (النفش بالليل، والهَمْل بالنهار).
قلت: وفي لغة العرب: لا يكون النفش إلا بالليل، والهَمَلُ يكون ليلًا ونهارًا. قال الرازي: (و ﴿نَفَشَتْ﴾ الإبل والغنم أي رَعَت ليْلًا بلا راع. قال: وأنفَشَها غيرُها تركها ترعى ليلًا بلا راع).
وتفصيل الخبر كما رواه ابن جرير من طريق أشعث عن أبي إسحاق عن مرة، عن ابن مسعود - في قوله ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ - قال: (كَرْم قد أنْبَتَ عناقيده، فأفسدَتْه. قال: فقضى داودُ بالغنم لصاحب الكَرْم. فقال سليمان: غيرُ هذا يا نبيَّ الله! قال: وما ذاك؟ قال: تدفَعُ الكَرْمَ إلى صاحب الغنم فيقَومُ عليه حتى يعودَ كما كان، وتَدْفَعُ الغَنَم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا كان الكَرْمُ كما كان دَفَعْتَ الكَرْم إلى صاحبه، ودَفَعْتَ الغنم إلى صاحبها، فذاك قوله: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾).
وله شاهد عند ابن أبي حاتم عن خُدَيج عن أبِي إسحاق عن مُرَّة عن مَسُروق قال: (الحَرْثُ الذي نَفَشَت فيه الغنم إنما كان كَرْمًا نَفَشَت فيه الغنمُ، فلم تَدع فيه ورقة ولا عُنقودًا من عِنَب إلا أكَلَته، فأتوا داودَ فأعطاهم رِقَابها. فقال سليمان: لا، بل تِؤخذ الغَنَمُ فَتُعطى أهل الكَرْمِ، فيكون لهم لَبَنُها ونفعُها، ويُعطى أهل الغَنَم الكَرْم فيَعْمُروه ويُصلحوه، حتى يعود كالذي كان ليلةَ نَفَشَت فيه الغنمُ، ثم يُعطى أهلُ الغنم غَنَمَهم، وأهلُ الكرمِ كَرْمهُم).
قلت: وأما في شرعنا، فعلى أصحاب الحوائط حفظ حيطانهم وزروعهم بالنهار، وعلى أصحاب المواشي حفظ مواشيهم بالليل. فإن فرّط صاحب الماشية في ضبط وحبس ماشيته ليلًا فانتشرت وأفسدت شيئًا من زروع الناس فعليه ضمان ذلك.
وأدلة ذلك كثيرة:
١ - الدليل الأول: أخرج ابن ماجة وأبو داود بسند صحيح عن مُحَيِّصَةَ: [أنَّ ناقة للبراء بن عازب، دخلت حائط رجل فأفسدته، فقضى رسول الله - ﷺ -، على أهل


الصفحة التالية
Icon