الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل] (١). وفي لفظ ابن ماجة: أفقضى أن حِفْظَ الأموال على أهلها بالنهار. وعلى أهل المواشي ما أصابت مواشيهم بالليل].
٢ - الدليل الثاني: أخرج أبو داود بسند صحيح عن حرام بن مُحَيِّصَة الأنصاري، عن البراء بن عازب، قال: [كانت له ناقة ضارية، فدخلت حائطًا فأفسدت فيه، فَكُلِّمَ رسول الله - ﷺ - فيها، فقضى: أنَّ حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشِيَتُهم بالليل] (٢).
وقوله: "ضارية" أي التي تعتاد رعي زرع الناس. والحائط: البستان. وقوله: "أن حفظ الأموال" أي البساتين. فما أتلفت الماشية بالنهار فالتقصير من صاحب البستان، فلا ضمان، وما أتلفت بالليل فالتقصير من صاحبها، وعليه الضمان.
٣ - الدليل الثالث: يروي ابن جرير بإسناده عن عامر - أي الشعبي، وكذلك عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الشعبي: [أنَّ شاةً وقعت في غزل حائك فاختصموا إلى شُرَيح، فقال الشعبي: انظروه فإنه سيسألهم ليلًا وقعت فيه أو نهارًا، ففعل. ثم قال: إن كان بالليل ضمن، وإن كان بالنهار لم يضمن، ثم قرأ شريح: ﴿إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ قال: والنَّفْش بالليل والهَمَل بالنهار].
وفي لفظ ابن جرير، قال عامر: (جاء رجلان إلى شُريح، فقال أحدهما: إن شياه هذا قطعت غَزْلًا لي، فقال شريح: نهارًا أم ليلًا؟ قال: إن كان نهارًا فقد برئ صاحب الشياه، وإن وإن ليلًا فقد ضمن، ثم قرأ: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ قال: كان النفش ليلًا) (٣).
وهذا التفريق بين الليل والنهار حكمته ظاهرة، كما قال القرطبي رحمه الله: (وذلك أن أهل المواشي لهم ضرورة إلى إرسال مواشيهم ترعى بالنهار، والأغلب عندهم أن من عنده زرع يتعاهده بالنهار ويحفظه عمن أراده، فجعل حفظ ذلك بالنهار على أهل

(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن - حديث رقم - (٢٣٣٢) - كتاب الأحكام، وأخرجه أبو داود (٣٥٦٩) - كتاب الإجازة. وانظر صحيح سنن أبي داود (٣٠٤٧).
(٢) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن - حديث رقم - (٣٥٧٠) - كتاب الإجازة، باب المواشي تفسد زرع قوم، انظر صحيح سنن أبي داود (٣٠٤٨)، وصحيح سنن ابن ماجة (١٨٨٨) - باب الحكم فيما أفسدت المواشي.
(٣) أخرجه ابن جرير في "التفسير" (٢٤٧٠١)، ويشهد لهذا القضاء من شريح الدليلان قبله.


الصفحة التالية
Icon