الزروع، لأنه وقت التصرف في المعاش، كما قال الله سبحانه تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: ١١]. فإذا جاء الليل فقد جاء الوقت الذي يرجع كل شيء إلى موضعه وسكنه، كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ﴾ [القصص: ٧٢] وقال: ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ [الأنعام: ٩٦] ويرد أهل المواشي مواشيهم إلى مواضعهم ليحفظوها، فإذا فرّط صاحب الماشية في ردّها إلى منزله، أو فرّط في ضبطها وحبسها عن الانتشار بالليل حتى أتلفت شيئًا فعليه ضمان ذلك).
فائدة: أما قوله - ﷺ -: [العَجْمَاءُ جُرْحُها جُبَارٌ] (١)، فالمقصود ما انفردت به البهيمة فأتلفته دون سائق أو قائد. أو يقال: هو حديث عام، ثم خصّ منه الزرع والحوائط بحديث البراء السابق. والله تعالى أعلم.
وقد ذهب مالك والجمهور إلى القول بحديث البراء، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وبعض الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ، فما أفسدت البهائم ليلًا أو نهارًا لا يلزم صاحبها شيء، واستدلوا بحديث: "جُرْح العجماء جُبار"، والراجح قول مالك والجمهور وأنه عموم ورد فيه التخصيص، والله أعلم.
وقوله: ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾. أي: لا يخفى علينا من ذلك الحكم شيءٌ، ولا يغيب عنا علمه. وفي الآية دليل على أن أقل الجمع اثنان.
وقوله: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾. أي: ألهمنا سليمان صحة الحكم في المسألة ودقة الفتوى.
قال الحسن: (أثنى على سليمان ولم يذمَّ داود).
قلت: والآية تشير إلى أن الصواب كان مع سليمان عليه الصلاة والسلام، ولكن داود مأجور كذلك في اجتهاده. وبذلك جاءت سنة نبينا محمد - ﷺ -، في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم وأصحاب السُنن عن عمرو بن العاص أنه