فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)}.
في هذه الآيات: تضييق الله على يونس وإدخاله في بطن الحوت، ودعوته ربه من ذلكَ السجن بخير الدعاء، الذي كشف اللهُ به غمّهُ وهو لجميع المؤمنين من خير الرجاء.
فقوله: ﴿وَذَا النُّونِ﴾ - يعني الحوت. أي: اذكر يا محمد صاحب النون، أي صاحب الحوت، وهو يونس بن متى، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وقوله: ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾. قال ابن عباس: (يقول: غضب على قومه).
وقوله: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾. أي: فظن أن لن نعاقبه بالتضيق عليه ببطن الحوت.
وقال مجاهد: (فظن أن لن نعاقبه بذنبه). وقال قتادة: (ظن أن لن نقضي عليه العقوبة). وكلا المعنيين محتمل: التضييق أو التقدير والقضاء.
ومثال الأول: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٧].
ومثال الثاني: قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: ١٢].
وإنما كانَ ذلكَ حين بعثَ اللهُ يونس عليه الصلاة والسلام إلى أهل "نِيْنَوى" بالموصل، فدعاهم إلى الله، فأبوا وتمادوا على كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضبًا لهم متوعدًا بالعذاب بعد ثلاث، فخافوا بعد خروجه وعلموا أن دعوة النبي حق، فخرجوا بذراريهم وأنعامهم إلى الصحراء يستغفرون ويجأرون فرفع اللهُ عنهم العذاب، وامتحن يونس عليه السلام في ركوب السفينة ونزول القرعة به ليلتقمه الحوت.
وقوله: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. هو من أعظم الدعاء عند الكرب والمصيبة، وقد جعله الله تعالى شرعًا ماضيًا في أمة محمد - ﷺ - إلى قيام الساعة.
فقد أخرج الإمام أحمد في المسند، والترمذي في السنن، بسند صحيح، عن سعد قال: قال رسول الله - ﷺ -: [دعوةُ ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت، {لَا