ولد من شيخ كبير وعجوز عاقر لم تلد في شبابها تمهيد مناسب لإخراج ولد من أم بلا أبي، واللهُ على كلِّ شيءٍ قدير.
فقوله: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ - يعني مريم عليها السلام، كما قال جل ثناؤهُ في سورة التحريم: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ [التحريم: ١٢]. والمراد الثناء على عفتها وتأكيد طهارتها وبراءتها من كل ما نُسب إليها من المبطلين.
وقوله: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾.
قال النسفي: (أجرينا فيها روح المسيح، أو أمرنا جبريل فنفح في جيبِ درعها فأحدثنا بذلكَ النفخ عيسى في بطنها، وإضافة الروح إليه تعالى لتشريف عيسى عليه السلام).
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. قال ابن عباس: (العالمين الجنّ والإنس). قال القاسمي: ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا﴾ أي نباهما ﴿آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ أي في كمال قدرته واختصاصه من شاء بما شاء. وقد كان من آيتهما إتيان الرزق لمريم في غير أوانه، وتثمير النخل اليابس، وإجراء العين، ونطق ابنها في المهد، وإحياء الموتى. وإبراء الأكمه والأبرص).
٩٢ - ٩٤. قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (٩٤)﴾.
في هذه الآيات: إثباتُ الله تعالى لوحدة منهاج النبوة، فإن الأنبياء الذين ذكرهم قبل ذلك يخرجون في أصول دينهم من مشكاة واحدة، واختلاف الناس على أنبيائهم بين مصدق لهم ومكذب وكلهم إليه تعالى راجعون، والملائكةُ لأعمال أهل الإيمان والسعي الدؤوب في الصحف كاتبون.
فعن ابن عباس ومجاهد: (﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، يقول: دينكم دينٌ واحد).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [أنا أولى الناس بعيسى