قرية أمتناهم أن يرجعوا إلى الدنيا. قال عكرمة: (﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ قال: لم يكن ليرجع منهم راجع، حرام عليهم ذلك).
وفي رواية عن ابن عباس: (فلا يرجع منهم راجع، ولا يتوب منهم تائب).
والمقصود: كتب الله تعالى على كل أمة أهلكها أنهم لا يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة، ومن ثمَّ فلا يرجعون إلى التوبة بعد فوات أوانها.
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾.
أي: حتى إذا فتح سد يأجوج ومأجوج الذي بناهُ ذو القرنين وحجبهم به عن الناس وخرجوا مسرعين من كل مرتفع من الأرض يعيثون في أرجائها فسادًا.
فالحدب المرتفع من الأرض. قال ابن عباس: (﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ أي يسرعون في المشي إلى الفساد).
ويأجوج ومأجوج قوم من نسل نوح عليه الصلاة والسلام من أولاد يافث، تُركوا وراء السد الذي بناهُ ذو القرنين - كما مَرَّ ذكره في سورة الكهف مفصلًا -.
أخرج البخاري في صحيحه عن زينب بنت جحش رضي اللهُ عَنْها، أنها قالت: [استيقظ النبي - ﷺ - من النوم مُحْمَرًا وَجْهُهُ يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وعقد سفيان تسعين أو مئة. قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث] (١).
فهم يحفرون كل يوم في محاولة منهم للخروج من ذلكَ السجن الذي كتبه الله عليهم قسطًا وعدلًا، إلا أنهم يمكرون ويمكر اللهُ بهم وهو خير الماكرين.
فقد أخرج الإمام أحمد في المسند عن أبي هريرة مرفوعًا: [إن يأجوج ومأجوج يحفرون كُلَّ يومٍ، حتى إذا كادوا يرَوْنَ شعاعَ الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فسنحفره غدًا، فيعيدهُ الله أشدَّ ما كان، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فسنحفره غدًا إن شاء الله تعالى، واستثنوا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس، فَيَنْشِفُون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم. فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع عليها الدمُ الذي احفَظَّ، فيقولون: